الحمد لله وحده.. وبعد: قيام الليل شرف المؤمنفإن هدي النبي هو سنته وطريقته في الأشياء، وهديه أكمل هدي؛ لأنه هدي معتدل يتحقق به صلاح القلب والجسد وإشباع الروح والعقل دون تفريط أو شطط.
وسنتعرض بمشيئة الله تعالى لبيان هدي النبي في أشياء كثيرة؛ ليتسنى للقارئ الكريم الذي يبتغي وجه الله تعالى والدار الآخرة أن يقتدي به فيما نشير إليه؛ فإن الله تعالى قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وفيما يلي نذكر هدي النبي في الليل:
1- فقد كان يصلي المغرب إذا تحقق غروب الشمس فيبكر بها، حتى إن المرء يرجع إلى أهله بعد الصلاة وإنه ليبصر مواقع نبله (ريشة السهم).
2- وكان يصلي بعدها سنتها الراتبة ركعتين يقرأ في الركعة الأولى سورة (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية سورة (قل هو الله أحد)، ويحث على صلاة ركعتين قبلها ويقول: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن يشاء". وكان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون السواري -أي الأعمدة- يصلون وراءها يجعلونها سترة لصلاة هاتين الركعتين، حتى يخيَّل للداخل أن قد صلوا المغرب من كثرة من يصليها.
3- وكان يحب تأخير صلاة العشاء إلى الثلث الأول من الليل ويبين أنه أفضل وقتها، ويبين أنه لولا خوف المشقة عليهم لأمرهم بها في ذلك الوقت. وذلك -والله أعلم- من أجل أن يتفرغوا من حروثهم ومواشيهم وسائر أشغالهم ويسمروا مع إخوانهم وخدمهم وحشمهم؛ ليكتمل أنسهم وراحتهم قبل نومهم.
4- وكان يكره النوم قبل العشاء؛ لأنه مظنة تفويتها وتضييعها، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي العشاء كغيرها من الصلوات في المسجد مع الجماعة، ويذم المتخلفين عنها وعن الفجر، ويصفهم بالنفاق ويتوعدهم بالوعيد الشديد.
5- وكان يحب أن يصلي سُنَّة العشاء الراتبة في بيته -وكذلك سنة المغرب والفجر- ويوصي بأن يجعل المرء من صلاته النافلة في بيته؛ فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا.
6- وكان النبي يكره السهر بعد العشاء؛ لأنه مظنة تفويت الفجر بالنوم عنها، ولم يرخص في السهر بعدها إلا لسمر الرجل مع أهله وزوجته، وكان يسمر مع أهله ساعة، وكذلك رخَّص في السهر لإكرام الضيف، ولطلب العلم، ولأمر يتعلق بعامَّة المسلمين.
7- وكان النبي يوصي المسلم إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة، وأن يضطجع على شقِّه الأيمن، وأن يدعو بالأدعية التي علمها الأمة ويقول: "من أوى إلى فراشه طاهرًا وذكر الله حتى يغلبه النعاس (النوم)، لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه إياه".
8- وكان يحث على قيام الليل وأن يختم بوتر ويصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وأوتر من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السَّحَر (قبيل الفجر)؛ وذلك لأن الصلاة فيه أفضل والدعاء فيه أحرى بالإجابة، وليكون احتياطًا واستعدادًا لصلاة الفجر.
وكان النبي يسلم من كل ركعتين من صلاة الليل ويوتر بواحدة ويقول: "صلاة الليل مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة". وكان إذا نام عن صلاة الليل أو شيء منها لمرض ونحوها صلاها من الضحى كما هي، غير أنه يكمل الوتر ليكون شفعًا.
الكاتب: الشيخ عبد الله بن صالح القصير
المصدر: موقع الألوكة